ومثل آخر:
إذا حدثت أسباب الخوف، وألمت بالإنسان المزعجات،
تجد صحيح الإيمان ثابت القلب، مطمئن النفس،
متمكناً من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذي دهمه
بما في وسعه من فكر وقول وعمل،
قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم،
وهذه أحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده.
كما تجد فاقد الإيمان بعكس هذه الحال
إذا وقعت المخاوف انزعج لها ضميره،
وتوترت أعصابه، وتشتت أفكاره وداخله الخوف والرعب،
واجتمع عليه الخوف الخارجي،
والقلق الباطني الذي لا يمكن التعبير عن كنهه،
وهذا النوع من الناس إن لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية
التي تحتاج إلى تمرين كثير انهارت قواهم وتوترت أعصابهم،
وذلك لفقد الإيمان الذي يحمل على الصبر،
خصوصاً في المحال الحرجة،
والأحوال المحزنة المزعجة.
فالبر والفاجر، والمؤمن والكافر
يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية،
وفي الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها،
ولكن يتميز المؤمن بقوة إيمانه وصبره
وتوكله على الله واعتماده عليه، واحتسابه لثوابه ـ
أموراً تزداد بها شجاعته، وتخفف عنه وطأة الخوف،
وتهون عليه المصاعب،
كما قال تعالى:
{ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ
وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ }(1).
ويحصل لهم من معونة الله ومعينه الخاص ومدده
ما يبعثر المخاوف.
وقال تعالى:
{ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (2).
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
([1]) [النساء:104]
([2]) [الأنفال:46]