عرض مشاركة واحدة
قديم 20-07-09, 01:40 AM   رقم المشاركة : 2
الرمح الذهبي
موقوف





الرمح الذهبي غير متصل

الرمح الذهبي is on a distinguished road


وانقل


قال تعالى : { وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} بعض آية آل عمران103 .
فصح بنص الآية أن العرب المشركين قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا مستوجبين لعذاب النار أي كافرين مع أنهم كانوا قبل الحجة الرسالة إلا من نجاه الله ببعثة النبي وإتباعه النور الذي أنزل معه . أقول : هذا البرهان ليس هو نص الآية فحسب ، وإنما هذه الآية هي قاعدة شرعية عامة ومضطرة ، فيدرج تحتها كافة النصوص المستفيضة في الكتاب والتي تتحدث عن رحمة الله للناس ببعثة النبي وأنه نجاهم به من الهلاك المبين ، وأنقذهم به من النار ونحو ذلك ، وهذا برهان نظري عقلي شرعي بديهي وذلك أنه إن لم يكن العرب قبل البعثة كفاراً مشركين ، فضلاً عن كونهم معذورين معفى عنهم ما هم فيه ومن عذاب الله هم ناجون ، فأي رحمة جاءت لهم ، وأي نجاة نجوها ، وأي إنقاذ أنقذوا منه ، إلا أن يكونوا كفاراً مشركين مستوجبين لعذاب الله وبطشه ، فرحمهم الله ببعثة النبي ، مذكراً إياهم بالله وهديه وأيامه ، فمن تبعه هدى ونجا ، ومن إستمر على كفره وضلاله خسر وذل ، هذا بيان واضح تدركه كل فطرة مستقيمة .
ولا يعترض علينا هنا بقوله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} الإسراء15 ، لأنها مجملة من حيث الواقع فيما قبل الرسالة ، ومحتملة بالنظر للفظ العذاب على ما سنبينه بتوضيح شديد إن شاء الله فيما بعد ، وعلى وجه العُجالة هنا أقول : إن أقوى تفصيل لإجمال هذه الآية أنها لا تقع في من سقط في الشرك وإستقام لما عليه قومه من الضلال ، هي فيمن رأى ما عليه قومه من الشرك فاجتنبه وتبرأ منه ولكنه عجز عن درك ما يتوب به إلى الله سبحانه من الطاعة والعبادة وهذا التفصيل أحسن بيانه ابن القيم في كتابه " طريق الهجرتين " والإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام ، وليس في قولهما الحجة وإنما الحجة في كون الآية مجملة من حيث واقع ما قبل الرسالة وظنية من حيث إحتمالية لفظ العذاب على ما سيأتي بإذن الله لها من توضيح .
عن مسروق قال : قالت عائشة : [ يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين ، هل ذلك نافعه ؟؟ قال : لا ينفعه إنه لم يقل يوماً رب غفر لي خطيئتي يوم الدين ] (رواه مسلم) فصح يقيناً أنه محاسب بشركه مع أنه لم تمض عليه الحجة الرسالية .
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال : [ يا رسول الله أين أبي ؟ قال في النار ، فلما قضى الرجل دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار ](رواه مسلم ) .
وهذا برهان قطعي الدلالة يؤكد ما دل عليه سابقه مع الآية المباركة التي سقناها مع القاعدة التي قررناها من مستفيض النصوص القرآنية ، وهو يثبت بالقطع صحة مذهب ابن القيم والشاطبي في تقيم أهل الفترة ومن هم قبل الرسالة .
بيد أن هذا الحديث فيه نكتة زائدة رائعة قسمت ظهر المخالف ، وذلك أن بعضهم إعترض على الحديث السابق بقوله : " إنها وقائع فردية لا تتعدى أصحابها " ، ومع ظهور فساد هذا إلا إعتراض وبطلانه إلا أن حديث أنس جاء فيه أن الرجل بعد أن ولّى ناداه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : [ إن أبي وأباك في النار ] فالنبي إذا أراد أن يقرر للرجل ولمن حوله قاعدة عامة ليست فقط مختصة بأبيه وحده وإنما هي عامة في أهل الجاهلية ، وقد صح ذلك في حوادث أخرى كأم النبي صلى الله عليه وسلم وعمر ابن لحي وغيرهما.
ولما ضاق المقام ببعض مخالفينا قالوا : أنهم كانوا على بقية من دين إبراهيم كانت كافية لإقامة الحجة عليهم ، ولو نصح القوم أنفسهم ودينهم لإستحيوا من مثل هذه الإعتراضات ، ولكن أراد الله أن يفضحهم بذات كلامهم ، فأفصحوا عن كونهم لا يدركون حتى حدود القضية التي يتكلمون فيها .
ياقوم .. إذا كان أهل زماننا نحن فيمن توافر في بيت كل امريء منهم أكثر من نسخة لكتاب الله الكريم بنصه وحرفه كما أنزل على النبي المرسل ، وتوافرت عشرات كتب التفسي ،، وكتب السنة والحديث ، وكتب الفقه ، وغيره ، حتى تفشى العلم بما لا يجهله إلا معرض غافل ، بمحض إختياره ورضاه ، وقاسى الدعاة لهذا الأمر في كل جانب وكل يوم في أركان البلاد ، وقتل من قتل منهم وصلب من صلب ، وسجن من سجن ، وذاعت أخبارهم في كل صوب وحدب ، إذا كان هؤلاء كما قلتم أنهم معذورون بجهلهم وقلة العلم بآثار الرسالة وقلة من يقوم بالبيان لهم ، فبربكم أخبروني : كيف كانت الكتب السماوية وصحف إبراهيم وموسى ؟ محضاً لم تشبها شائبة طمس أو تبديل .
فضلاً عن تفسيرات العلماء لهم وشرحها وذيوع من يقوم بالدعوة إليها بحيث أجزتم لأنفسكم أن تقولوا أنهم غير معذورين بجهلهم وقامت عليهم الحجة بما يقطع العذر وينفي الشبه ، بينما أهل زماننا وقد علمت عنهم ما علمت ، أنهم معذورون بجهلهم وقلة العلم بآثار الرسالة فيهم ...نبؤوني بعلم إن كنتم صادقين؟؟؟ ، وإذا كنتم تحتجون على شرط الحجة الرسالية لإنقطاع العذر بقولكم أن الكافرين يحتج عليهم يوم القيامة بقول آخر هو : {...أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ}8 / 9 /الملك .
أفلا ترون معي أيها الصحاب أن عبد الله بن عبد المطلب وآمنة بنت وهب ، وعمرو بن لحي ، وابن جدعان ، وأبو من قال له النبي أبي وأبوك في النار ، ألا ترون أنهم سيحتجون بأنهم ليسوا من أهل هذه الصفة المذكورة ؟ .
أيها الصحاب : هل ترون معي أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم وأمه وابن جدعان وغيرهم وعامة مشركي مكة قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، هل ترون أن الحجة الرسالية قد أقيمت عليهم قياماً بيّناً - كما تشترطون - بما يوجب العلم في ذاتهم وإنقطاع الشبه ، وبان ماهو مذهب عمرو بن لحي وأمثاله ، ثم أبى هؤلاء بعد كل هذا البيان إلا الرضا بدين الكفر والشرك بالله وهم يعلمون ؟؟ فما لكم كيف تحكمون ؟؟؟ ولقد حكى القرآن الكريم عن أهل مكة إحتجابهم على النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم : {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ } ص7 ، بل كانوا يتعجبون من دعوته ويستغربون منها بقولهم : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } ص5 .
أيها الناس : إن هذه الدعوة لهي أعظم بياناً على إختلاف المعاني في أذهان وضمائر القائلين بعذر جاهل التوحيد وإضطرابها في أفكارهم ، ثم بعد لا يزالون يفتون الناس ليضلوهم بغير علم .
أقول : وهذه الأحاديث مع الآية السابقة ، مع القاعدة المبنية آنفاً أدلة وبراهين قطعية على معاقبة المشركين بشركهم ، ولو جهلوا أو قلدوا ولم يبعث إليهم رسول ، وهذا هو المذهب الصحيح في هذه القضية كما سنوضح بعد قليل إن شاء الله عند تحقيق الكلام عليها ، بما يزيل الإبهام ويرفع العارض عن آي الكتاب ، قال تعالى : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} النساء82 .
فالعذاب الذي نفاه في صورة الإسراء ، غير الذي أثبته في البيان السابق أوحال هؤلاء يقيناً ، ما سنبين بإذن الله تعالى .
البرهان الخامس :
قال تعالى : {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } الأنعام137 ، وهذا برهان جلي لا إنفكاك منه لذي بصيرة ، وفي هذه الآية المباركة دلالتان كلاهما حاسمة في هذا النزاع ... أهل الفترة ، وهذا من أوضح ما تكون الحجج .
الثانية : في قوله : {زَيَّنَ} ، { وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُم} ، فصح أن القوم كانوا يظنون في فعلهم أنه حق وليس من الشرك ، لتضليل سادتهم ، ولم يعتبر الله سبحانه ذلك الجهل منهم والإلتباس الذي وقعوا فيه وهذه النقطة سنتحدث عنها إن شاء الله بإستفاضة في فصل لاحق عند الحديث عن موضوع الإضلال ، ونبين مدى تخبط القوم في فهم هذه القضية بتحديدها الشرعي .
ومثل ما سبق قوله تعالى : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } الأنعام140 ، وهذا برهان آخر قائم بذاته ، ويزيد فيه قوله تعالى : ( بغير علم ) فصح أن الحجّة العينية التي يتحقق بها العلم وتنتفي معها الشبه لم تكن قائمة ، وإن كان الأمر في ذلك واضحاً إبتداءً إلا أنّ الآية قد أكدت هذا المعنى لتخرس كافة الألسنة فالقوم ما فعلوا فعلهم إلا سفها بغير علم ، وفي هذا البرهان يدخل قوله تعالى : {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } يونس39 ، وأيضا : {أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} النمل84 ؟؟ فكل ما قدمناه من آيات و دلائل قاطعة حاسمة في إثبات كفر من خرق التوحيد ولو كان جاهلاً لا يعلم .
وهنا تعليق بسيط لإبن عبد الوهاب وابن القيم نسوقه على عُجالة ، مع وعد بتفصيل الكلام الذي ورد عنهم في القضية عامة في بحث لاحق . قال ابن عبد الوهاب : " فأنت إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها لسانه ، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بجهله ". وصدق والله ابن عبد الوهاب وما خرج عن السنة قيد أنملة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ إن الرجل ليقول الكلمة ما يتبن ما فيها ، يهوي بها في النار سبعين خريفاً ] رواه مسلم .
وقد لخص ابن القيم ما دلت عليه الآيات السابقة ، وما قدمناه في البرهان الأول بكلام جيد في كتاب : ( طريق الهجرتين ) حيث قال : " والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله ورسوله وإتباعه فيما جاء به فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم ، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل ، فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين ، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً ، فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسول إما معانداً أو جاهلاً أو مقلداً لأهل العناد " ، وهذا منه رحمة الله أوضح ما يكون به التفصيل والتحديد ، أقول : وكلام الله أولى ، وكتاب الله أعلى ، وحجة الله أقطع ، وننبه على أن مسألة العلم و شرط تحقيقه لإقامة الحجة سنفصلها أيما تفصيل بإذن الله في فصل لاحق عند الحديث عن صفة الحجة وكيفية إقامتها والشرط فيها ، هل إمكانية العلم أم تحققه فعلاً .
البرهان السادس:
قال تعالى : {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة ُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}3،2،1 البينة ، قال قتادة ومجاهد منفكين يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق ، فهذا برهان قاطع على صدق دعوانا ، سمى الله من تلبس بالشرك من العرب ـ مشركين ـ ومن أهل الكتاب ـ الذين كفروا ـ مع تصريح الآية ذاتها بأن ذلك قبل أن تأتيهم البينة وهي الحجة الرسالية كما فسرتها الآية ذاتها . فصح يقيناً ما قدمناه ، من أن من تلبس بالشرك حكم بكفره وأنه مشرك كحكم عملي ظاهر في واقع الحال يتميز به الناس في الدنيا ودونما نظر لعلمه وعناده ، أو جهله وتقليده ، وقامت عليه الحجة الرسالية أم لم تقم ، أما مسألة عذابه يوم القيامة بشركه أو العفو عنه بجهله فهي قضية أخرى غير تلك ونتكلم عنها إن شاء الله فيما بعد .
وفي الآية السابقة نكتة رائعة نفصل دلالتها عند الحديث عن مسألة حد الحجة وضابط البينة إن شاء الله تعالى . هذا ما وفق الله إليه من الحجج والبراهين بفضل منه ورحمة ، ونعرض الآن لمجموع شبه المخالفين ، وبيان فساد إحتجاجهم فيها وإظهار مدى تخبطهم في ضرب النصوص بعضها ببعض من غير علم ولا هدى ، وكيف تجرءوا على الشريعة لمحض الإنتصار للرأي .
وبين يدي هذا الجواب أود التنبيه إلى قاعدة جليلة قررها الحق سبحانه في كتابه وإتفق عليها الأصوليون جميعاً وهي من أبسط أسن الفهم : هي ما ثبت بقطع ويقين في دين الله ، لا يجوز إبطاله بالظن والإحتمال ، وأنه إذا ما ثبت حكم شرعي بوجه القطع وعارضه ما هو ظني أو محتمل وجب صرف الظن بما يوافق اليقين وحمل المحتمل على ما لا يحتمل قطعاً . قال تعالى : {إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً } يونس36 .
نسأل الله أن ينير قلوبنا ويهدينا الي سراطه المستقيم ويثبتنا