عرض مشاركة واحدة
قديم 17-09-11, 01:00 AM   رقم المشاركة : 3
مهذب
عضو ماسي






مهذب غير متصل

مهذب is on a distinguished road


يقول أبو سعيد محمد بن سعيد بن محمد الكدمي :


( ولا ينساغ في العقول أن يكلف الجميع علم الواحد من العلماء ، ولا يكلف كل من الخليقة من العلم إلا ما بلغ إليه علمه ، وصح معه ذلك من أي وجه من وجوه الصحة ،


أو ما قامت عليه به الحجة التي لا يسعه الشك فيها ، مما لا يسعه جهله من علم التوحيد ومعرفة معناه ، وعلم معاني الوعد والوعيد ، وما يتولد من ذلك ومثله ، فذلك ما تقوم عليه به الحجة بالخاطر ،
أو ذكر الذاكر كائنا من كان ،
أو ما يلزمه العمل به من الفرائض اللازمة التي يفوت وقتها ، فجهل علم ذلك حتى يضيعها ولايؤديها في وقتها، على ما أوجب الله عليه من العمل بها في ذلك الوقت ، الذي لا يسعه تأخيره إلى غيره ، كائنا ما كان من اللوازم من دين الله ،


أو يجهل شيئا من المحارم التي يركبها بجهله كائنا ما كان من المحارم من دين الله ، وتقوم عليه الحجة التي ما بعدها حجة في الاسلام من قول علماء المسلمين ، فيما يسعه جهل علمه من دين الله ، ما لم يحضره العمل به والانتهاء عنه ، وهر قول الواحد من المسلمين ، الشاهر لهم اسم أهل الاستقامة في الدين من الأمة ، وفي قول أكثر أهل العلم من المسلمين ،
أن الفقيه الواحد حجة ،


وأن الواحد من العلماء يقوم في الفتيا في الدين مقام الاثنين ، وإذا قام مقام الاثنين قام مقام الأربعة ، وإذا قام مقام الأربعة قام مقام الأربعين ، وإذا قام مقام الأربعين قام مقام مائة ألف أو يزيدون ،


وإذا قام مقام مائة ألف أو يزيدون قام مقام أهل الأرض كلهم ، وكان هو الحجة عليهم ،


إذا كان الحق في يده من علم الدين ، ولم تكن لأحد عليه حجة في الدين من جميع العالمين ، ولولا أن الحق على هذا والدين على هذا ما كانت الحجة لله -تبارك وتعالى - ، تقوم وينقطع بها عذر الشاك فيها بالرسول الواحد ، إلى أهل الأرض كلهم في العصر الواحد ، فيكون حجة عليهم ،


ولو كان لا يقوم ذلك إلا بجماعة من الناس معروفين وعدة معدودين ، لكان ذلك أولى به النبيون والمرسلون ، ولا نعلم أن الله - تبارك وتعالى - أرسل الى أهل زمان من الأزمنة ووقت من الأوقات رسولين ، إلا أن موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم سأل ربه -تبارك وتعالى - أن يرسل معه أخاه هارون -صلى الله عليهما وعلى نبينا وسلم - وزيرا ،



فكأن موسى صلى الله عليه وسلم هو الرسول ، وهارون معه وزيرا له ، وشاهدا معه ، لا أنه لا تقوم الحجة على فرعون وآله الا باثنين ، بل كان موسى صلى الله عليه وسلم هو الرسول إليهم والحجة عليهم ، لا ينكر ذلك أحد ، ولا يعتل به أحد ،



فلما أن قامت حجة الحق لله على عباده بالواحد من الرسل في كل عصر وزمان ، وكانوا هم الحجة على غيرهم من جميع العباد ، كان ذلك حجة ثابتة في كل وقت وعصر وزمان ، عدم فيه الرسل من الله إلى خلقه ، أو لم يعدموا بما يقيم عليهم به الحجة من جميع دينه.




ولو اعتل معتل برسالة هارون - صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم - مع موسى -عليه السلام - ، ما كان له في ذلك حجة ، لأن الحجة على كل أمة ما جاءهم به نبيهم ورسولهم من الحجة والشريعة ، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ، ناسخا لشرائع جميع الأولين ، ولا ناسخ لدينه إلى يوم الدين ، وكان صلى الله عليه وسلم واحدا أرسله الله الى أهل الأرض كافة من الثقلين من الجن والإنس ، فقامت به صلى الله عليه وسلم الحجة على جميع الثقلين من الجن والانس حاضرهم وغائبهم ومتقدمهم ومستأخرهم إلى يوم القيامة ،


وإنما يعبر الواحد من علماء المسلمين من دين الله -تبارك وتعالى-مما يسع جهله ، ما قد جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وقامت به الحجة عنه على أمته من المستأخرين والمتقدمين ، وقد قال الله -تبارك وتعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )(1)






ففسر ذلك أهل العلم أنه العالم من المسلمين من أهل الاستقامة ، فيما يسع جهله وفيما لا يسع جهله ، من عبارة الذين هم حجة على من قام عليه


وقد قال - تعالى - : (أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً )(2).



__________



(1) - جزء الآية (7) من سورة الرعد .



(2) - جزء الآية (7ا ) من سورة هود .





فقال أهل العلم : إنه العالم المحق فالبينة من ربه ما هو عليه من الحق ، ويتلوه شاهد منه لسانه ، فلسان العالم هو الشاهد على علمه له ، وهو الحجة له على من قام عليه بالحق جهله من قام عليه أو علمه ،
فالحجة للعالم على العامة بما جعله الله حجة في دينه على عباده ، وليس لأحد أن يجهل حجة الله عليه إلى غيرها ، ولا يعدوها إلى حجة سواها ،
فإن كان الواحد حجة فيما يسع جهله فهو الحجة ، وان لم يكن الواحد حجة فالاثنان كذلك ، والأربعة كذلك والجماعة كذلك إلى ما لا يحصى ، لأن الاثنين يقومان مقام الواحد في عبارة الدين ، لأنهما لو اختلفا لم يكونا في اختلافهما سالمين من الهلكة ، ولم يكن بد لواحد منهما أن يكون هالكا في الدين كاذبا ، في حكم الدين على رب العالمين في عقول السامعين لهما من العالمين والجاهلين ،


فلا يجوز أن يكون الحق في الدين إلا مع واحد من المعبرين ،
وأن المخالف له مخالف في أصل الدين ، فلا يجوز أن يطلب معه غيره ، فيما يقوم في العقول أنه لا بد من أحد أمرين :




إما أن يقول مثل ما قال ، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان .



وإما أن يقول غير ما قال ، فيكون مخالفا له في الدين في عقول العالمين ، لأن الدين أبدا لا يكون إلا مع واحد من المختلفين ، ولا يحتمل في العقول ،




إلا أن يكون أحد المختلفين في الدين كاذبا على الله ،
وقد يمكن أن يكونا جميعا كاذبين على الله ،
ويمكن أن يكون أحدهما كاذبا والآخر صادقا ،
ولا يمكن أن يكونا صادقين جميعا ، هذا من المحال ومن طلب المحال وتعلق به ، وقع في الضلال


والدين ما جاء فيه حكم من الكتاب أو من السنة أو من الاجماع من علماء المسلمين ، فاذا كان القول من العالم بأحد هؤلاء أو بما يشبه ذلك وما هو مثله ، فلا يجوز القول لغيره بخلافه ، وهو الصادق على جميع من قال بخلافه ،


ولوكان مخالفا جميع أهل الأرض ، فهم الكاذبون في أصل الدين ، الذي أجمع عليه معاشر المسلمين ، وجميع أهل الاستقامة من الموحدين . ) ا. هـ .


الإستقامة / الجزء الثاني / ص 95 - 98