عرض مشاركة واحدة
قديم 22-05-09, 12:20 AM   رقم المشاركة : 5
أبو العلا
مشرف سابق








أبو العلا غير متصل

أبو العلا is on a distinguished road


حكم لعن الكفار عموماً


جاء الشرع بلعن الكفار عمومًا كما قال الله سبحانه وتعالى:

{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} (الأحزاب: 64).

وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين}
(البقرة من الآية: 89).

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ .... } (البقرة من الآية: 161).

كما جاء اللعن لبعض أصنافهم ومن ذلك قولـه تعالى:

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ

ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}

(المائدة: 78).

وقال تعالى:

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ

بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء}

(المائدة من الآية: 64).

وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"( [37](38)).

وكان المسلمون يلعنون الكفار في قنوتهم كما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقنت بعد الركوع ويقول في دعائه" اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين"( [38](39)).


وروى مسلم عن خفاف بن إيماء قال: ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفع رأسه فقال: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله، اللهم العن بني لحيان، والعن رعلا وذكوان" ثم وقع ساجداً. قال خفاف: فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك( [39](40)).

وصح أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح، فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار( [40](41)).

وقد تواتر النقل عن السلف الصالح بلعن الكفار عموماً لا سيما في رمضان كجحدهم الحق، وعداوتهم للدين وأهلـه( [41](42)).

فلعن الكفار إجمالاً جائز سواء علق اللعن بوصف الكفر،


أو بصنف من أصنافهم كاليهود والنصارى ونحو ذلك،

وقد حكى بعض العلماء الإجماع على ذلك.

قال ابن الملقن في شرحه لحديث:

"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

"فيه لعن اليهود والنصارى غير المعينين وهو إجماع"( [42](43)).

وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل لعن اليهود ودينهم، فقال:

"إن لعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان فلا بأس به في ذلك، فإنهم ملعونون هم ودينهم…"( [43](44)).


ولعن الكفار عموماً أو بعض أصنافهم لا يخلو من إحدى حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون على سبيل الإخبار.
الحالة الثانية: أن يكون على جهة الدعاء عليهم.

فإن جاء اللعن للكفار عموماً, أو بعض أصنافهم, في سياق الإخبار عن حالهم، فهذا سائغ وجائز لأنه موافق لما جاء في الخبر عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في لعنهم، فمن أخبر عن ذلك بقوله لعن الله الكفار أو اليهود أو النصارى، فهو صادق في إخباره، لموافقته للشرع وللواقع، فالكفار عموماً ملعونون ومطرودون من رحمة الله ومأواهم النار وبئس القرار كما قال تعالى:

{اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (المائدة: 37).


لكن لا يصح الإخبار عن طائفة من الكفار المعينين الأحياء بأن الله تعالى لعنهم؛ لأن هذا الإخبار تعبير عن المآل، وهؤلاء الأحياء لا تعلم خاتمتهم، فقد يتوبون ويسلمون، وقد علق الله تعالى لعن الكفار بموتهم على الكفر كما قال تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين} (البقرة: 161).

فالطائفة من الكفار الأحياء لا يعلم هل طردهم الله تعالى وقضى عليهم بالإبعاد من رحمته، أم أنه كتب لهم حسن الخاتمة، ولهذا ينبغي لمن أراد لعن الأحياء من الكفار على معنى الإخبار بلعن الله لهم أن يقيد ذلك بالوفاة على الكفر فيقول مثلاً: إن الله تعالى لعن من يموت على الكفر.

قال الغزالي "فإن في اللعنة خطراً؛ لأنه حكم على الله –عز وجل- بأنه قد أبعد الملعون، وذلك غيب لا يطلع عليه غير الله تعالى، ويطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلعه الله عليه"( [44](45)).


وأما الحال الثانية وهي لعن الكفار عموماً أو بعض أصنافهم على معنى الدعاء عليهم كقول القائل: اللهم العن الكفار أو اليهود أو النصارى أو لعنة الله عليهم ونحو ذلك، فهذا لا يخلو من أمور:

فإن كان المدعو عليهم باللعنة من الكفار أمواتاً فالدعاء عليهم باللعنة تحصيل حاصل؛ لأن الله تعالى قد أخبر بلعنهم.
وأما إن كان المدعو عليهم باللعن أحياءً فهذا ينبني حكمه على حكم الدعاء على الكفار إجمالاً.


وبتدبر النصوص الشرعية لا نجد دعاء على الكافرين عموماً ومطلقاً إلا ما جاء عن نوح –عليه الصلاة والسلام- فيما ذكره الله تعالى بقوله:

{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا

{71/26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} (نوح: 26-27).

قال بعض العلماء: إنما دعا نوح – عليه السلام- بهذا لما أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، كما قال تعالى:


{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون} (هود: 36).

وقد روى الطبري في تفسيره بسنده عن قتادة في قولـه تعالى:

{رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (نوح من الآية: 26).

قال: "أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} (هود: 36)،

فعند ذلك دعا عليهم نبي الله نوح فقال:

{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا {71/26}

إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} ( [45](46))

( نوح: 26-27).


وهناك قول آخر وهو أن نوحاً – عليه السلام- دعا على قومه بعد استعجالهم عذاب الله تعالى فيما قصه الله تعالى عنهم في قولـه:

{قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ*

قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ}

(هود: 32-33)،

فبعد استعجالهم دعا عليهم نوح- عليه السلام - ثم أوحى الله تعالى إليه بعد ذلك بعدم إيمان من لم يؤمن فقال:

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}

( [46](47)) (هود: 36).

فدعوة نوح - عليه السلام - كانت بعد علمه بعدم إيمانهم، أو بعد يأسه من إيمانهم، وظهور عنادهم واستكبارهم واستعجالهم العذاب ففي الدعاء عليهم والحالة هذه انتصار منهم، وعظة لمن بعدهم، وإنذار وتحذير للمستكبرين بحلول العقوبة بالمخالفين، والانتقام من المعاندين.


يتبع.........

=====================

(37) الشفا (2/1097).
(38) رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي r وأبي بكر وعمر –رضي الله عنهما- برقم (1390) ومسلم في كتاب المساجد برقم (1186).
(39) رواه البيهقي في سننه، كتاب الصلاة، باب دعاء القنوت (2/210-211).
(40) رواه مسلم في كتاب المساجد برقم (1544).
(41) رواه البخاري في كتاب الأذان باب (126) برقم (797)، ومسلم في كتاب المساجد برقم (1558).
(42) انظر: شرح السنة للبغوي (3/132)، وتفسير ابن كثير (1/313)، وتفسير القرطبي(2/185).
(43) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (4/508).
(44) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (35/200).
(45) إحياء علوم الدين (3/111).
(46) تفسير الطبري (23/308) وروى نحوه عن الضحاك كما ذكره في تفسير سورة هود(12/391)، وانظر تفسير القرطبي (18/268)، وأحكام القرآن لابن العربي (4/312).
(47) انظر تفسير الطبري (12/390-391) وتفسير ابن كثير (4/718).







من مواضيعي في المنتدى
»» الاختراق الإسرائيلي لإيران
»» شيعة السعودية واللعب بالنار
»» إقصاء رفسنجاني عن إمامة جامعة طهران
»» غزة اليوم كربلاء فأين اللاطمون على الحسين؟
»» لمن لا يعرف عبد العزيز الحكيم وجماعته