مقدمة الشيخ
صالح بن بخيت بن سالم مولى الدويلة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام
{ وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله }
وعلمنا الحكمة والقرآن ، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس ،
وألبسنا لباس التقوى خير لباس.
أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من مخلوقاته ،
خير الناس للناس ،
سراج وهاج ونور ونبراس ، ورحمة وإيناس.
صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه
ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين ،
وبـعـــد :
فإن بلاء التصوف قد عـمَّ وطـمَ ،
وشرّق وغرّب في الأمم حتى لا يكاد يخلو منه سهل ولا أكم ،
وهذا وإن كان نذير شؤم ومؤشر انحراف ،
فإنه عند أهل الجهل والغفلة معيار تصحيح واعتراف ،
وليس المقامُ مقام بيان فساد هذا الميزان.
وحسبي ما جـاء في القرآن :
{ وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله }
النساء : 116،
وقوله سبحانه :
{ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } يوسف 103.
كما أنني لا أعني بهذا البلاء تصوف الموالد والحضرات ،
فهو أحقر وأظهر من التصدي لكشف زيفه
وبيان بطلانه وانقطاعه عن دين الله
وهَـدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تصوف السلوك والرياضة والأخلاق
[ قال أبو بكر الكتاني :
" التصوف خُـلـق فمن زاد عليك في الخُلق
زاد عليك في التصوف ".
مدارج السالكين 1/ 499 ]،
فهو مشترك بين أمم الأرض ، مطلوب عند عقلاء العالم ،
والناس فيه بين مقصر ومشمَّـر ،
سار فيه الموفقون المهتدون على درب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
الذي أدَّبه ربُّـه فأحسن تأديبه ، وزكّـاه وحلاه :
{ وإنك لعلى خلقٌ عظيم }
القلم :4 ،
وامتطى غيرهم سبلاً ومذاهب
فأساءوا وأحسنوا ، وأصابوا وأخطئوا
{ قل كلٌ يعمل على شاكلته }
الإسراء : 84 .
ولا أعني صوفية الزهد ،
فأهل الزهد أكرم وأتقى وأنقى ،
جاعوا واحتفوا ، وتخلوا واختفوا
" إن كان في الحراسة كان في الحراسة ،
وإن كان في الساقة كان في الساقة ،
إن استأذن لم يُـؤذن له ، وإن شفع لم يُـشَفَّـع "
[ رواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع
رقم 6453 ، 2886 ، 2887 ] ،
يعدون الكرامة إنذارً وتخويفاً ،
والحفاوة استدراجاً ،
والثناء بلاءً وفتنة ،
فإن أُوتوا فمن سوء الفهم تارة ،
ومن غلبة الطبع أو الحال الأخرى ،
فكل من أحبهم فإن الحق أحب إليه منهم ،
يؤخذ من قولهم ويُـترك ،
ولا يدّعون لأنفسهم العصمة
ولا تُدعى لهم إلا من مُخرِّف أو مُحرِّف.
إنما أعني صوفية البــلاء والعــنـاء ،
الذين يتـسـتـرون بـما سـبـق من مظاهـر ، ويضمـرون خـلاف الظاهــر
{ ولتعرفنهم في لحن القول }
محمد : 30 ،
{ لِمَ تلبسون الحق بالباطل
وتكتمون الحق وأنتم تعلمون }
آل عمران : 71.
صوفية الوثنية وركام الديانات الشـركية ..
صوفية الحلول والاتحـاد ،
والجـرأة والإلحـاد ..
صوفية الدجـل والخـرافة والخلل ..
عمدوا إلى أديان الناس وعقولهم فطلبوا إلغائها
واجتهدوا في طمس معالمها ،
ثم تنافسوا بعد ذلك إدارة الكون ،
وإعادة التشريع وبناء المشاهد وصرف الناس إليها.
منافسة تبلغ حد الجنون أو تجاوزه ،
لدرجة ادعاء بعضهم القدرة على تغيير ما في اللوح المحفوظ ،
وآخر القدرة على إطفاء النار وإغلاق الجحيم ،
والثالث منادمة رب العالمين ومزاحمته على عرشه العظيم ،
تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ،
في أقوال وأفعال لا يمكن صدورها عن رجل عاقل
فضلاً عن مسلم عالم أو فاضل.
وعن داود بن صبيح قال :
قلت لعبد الرحمن بن مهدي :
يا أبا سعيد إن ببلدنا قوماً من هؤلاء الصوفية ؟
فقال : لا تقرب من هؤلاء ،
فإنا قد رأينا من هؤلاء قوماً
أخرجهم الأمر إلى الجنون ،
وبعضهم إلى الزندقة.
[ المنتقى من تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي
– علي حسن بن عبد الحميد ص 280 ]
وما يزيد الطين بله والمرض علة ،
نسبة أقوالهم الباطلة وأفعالهم العاطلة
إلى من لهم سَـبْـق إلى الدين أو فضيلة اختصهم بها الله رب العالمين ،
كنسبة هذا العبث والتخليط للأئمة من أهل البيت.
وكل ذلك لترويج الباطل وزخرفته ،
وأهل الحق من أهل البيت كغيرهم من طالبيه وقاصديه
على منهج خير القرون متبعين مقتدين لا مبتدعين ولا مخترعين ،
أحرص الناس على السنة ،
وأكثرهم عناية بها ، وهم أولى بها وأهلها ،
فمن دارهم خرجت ، وعلى أيديهم برزت ،
ثم هم بعد ذلك كغيرهم في غير ما اختصهم الله به ،
فيهم العالم والجاهل ، والراشد والضال ،
والمهتدي والمنحرف ، بل المسلم والكافر
( ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )
ونسبهم أدنى للتكليف من التشريف ،
وتقصيرهم في نشر السنة والذبِّ عنها
يجلب لهم الذم والتأفيف.
أما الكرامات وهي مدار هذه الرسالة اللطيفة
فهي كغيرها من أبواب العقائد
التي انقسم فيها الخلق إلى غالً ومُجحف ،
ومُشَّـرَّق ومُغَرَّب ، ومُُـثْبت ومُـنكَر
( وكلا طرفي قصدِ الأمور ذميمُ )
والحق دائماً بين الغالي فيه والجافي عنه ،
يتبع........