(د) الأصول والمبادئ :
إن أصول الماتريدية ومبادئهم قد وافقوا أهل السنة في بعضها وخالفوهم في البعض الآخر ، وسنحاول بإذن اللَّه استعراض هذه الأصول بغير إسهاب:
أولا: الأصول التي وافقوا فيها أهل السنة والجماعة:
(1) الصحابة: وافق الماتريدية أهل السنة والجماعة في شأن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- جميعا ، فهم يرون تفضيل أبي
بكر -رضي اللَّه عنه وأرضاه- ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنهم جميعا وأرضاهم- ، وذلك على ترتيبهم في الخلافة ، ويرون أن الحروب التي وقعت بين الصحابة كانت عن اجتهاد ، منهم من أصاب ، ومنهم من أخطأ ، وكلهم مأجور ، ولا يجوز القدح فيهم ، ويجب الكف عنهم ، ويرون أن الطعن في الصحابة إما أن يكون كفرا أو بدعة أو فسقا .
(2) الخلافة والإمامة: وهذا كذلك من الأصول التي وافق الماتريدية فيها أهل السنة والجماعة ، فهم يرون أن الخلافة الراشدة كانت ثلاثين سنة ، ويرون أن الخليفة ينبغي أن يكون من قريش ، ويرون ضرورة تنصيب خليفة على الناس ، وإمام لهم ، يقيم الحدود ، ويسد الثغور ، ويجيش الجيوش ، ويأخذ الصدقات ، ويرد المتسلطة وقطاع الطرق ، ويقطع المنازعات ، وأن يكون ظاهرا لا مختفيا ، ولا يشترط أن يكون معصوما ، ويرون الصلاة خلف كل بر وفاجر من الأئمة ، ويمنعون الخروج على الإمام ولو كان جائرا .
(3) القدر: وافق الماتريدية أهل السنة كذلك في إثبات القدر ، وهم يقولون: إن أفعال العباد كلها من الخير والشر مخلوقة لله تعالى ، وإن اللَّه -عز وجل- هو خالق أفعال الخير والشر وليس كما يزعم المعتزلة أن العبد خالق فعل نفسه . وهم يقولون: إن أفعال العباد خلق لله ، وكسب من العباد واختيار منهم . وهم يرون أن هناك فرقا بين الحركات الاختيارية الإرادية كالبطش ونحوه ، وبين الحركات اللاإرادية كالارتعاش ونحوه ، والعبد يثاب على الطاعات الاختيارية ، ويعاقب على المعاصي الاختيارية كذلك .
(4) النبوات: يرى الماتريدية أن النبوة تثبت للنبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بطرق ، منها: (أ) ما تواتر من أحواله -صلى اللَّه عليه وسلم- وسيرته وكرم أخلاقه وبعده عن الشر والظلم مع قدرته عليه ، فكل ذلك يصدقه في دعوى النبوة . (ب) ما ثبت له -صلى اللَّه عليه وسلم- من المعجزات الكثيرة البالغة حد التواتر ، مثل: شق القمر ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وتكثير الطعام والشراب ، ونحوها كثير .
(ج) أنه أتى بالقرآن المعجز وتحدى به الفصحاء البلغاء مع أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، وعجزوا على أن يأتوا بمثله ، أو معارضته ولو بأقصر سورة . غير أن الكثيرين منهم يرون أن النبوة لا تثبت إلا بالمعجزة فقط؛ لأنها الدليل اليقيني القاطع الذي لا يقبل الشك . وأكثرهم يقولون بعصمة الأنبياء من الصغائر ، وأن ما صدر منهم كان من قبيل فعل خلاف الأولى .
(5) اليوم الآخر: وافق الماتريدية أهل السنة والجماعة في الإيمان بالآخرة ، وما فيها من الحشر والنشر وأحوال البرزخ والجنة والنار والصراط والميزان والشفاعة وغيرها ، وقالوا: إنها من الأمور الممكنة التي أخبر بها الصادق المصدوق -صلى اللَّه عليه وسلم- ، ونطق بها الكتاب والسنة؟ فتحمل على ظاهرها .