(ج) مصادر التلقي :
ترى الماتريدية أن مصدر التلقي الأول في "معظم أبواب التوحيد هو العقل دون النقل؛ وذلك لأن الأدلة العقلية عندهم قطعية ، أما السمعية فإنها- بزعمهم- ظواهر ظنية . وقد قسموا أصول الدين إلى عقليات وسمعيات ، فمصدر التلقي في العقليات هو العقل ، وهو الأصل ، والنقل تابع له ، ويشمل هذا معظم أبواب التوحيد والصفات .
وأما السمعيات فمصدر التلقي فيها هو النقل ، والعقل تابع له ، وتشمل أمورا: كعذاب القبر والصراط وأحوال الآخرة . وأما إذا قدر تعارض بين الأدلة العقلية والسمعية- يعني في أبواب التوحيد- فإنهم يقدمون الأدلة العقلية التي هي عندهم قطعية ، وأما السمعية فعندهم مصيرها التأويل والتحريف أو النفي؛ لأنها إنما هي ظنية بزعمهم .
قال الزبيدي عند كلامه عن صفتي الاستواء والنزول حيث أراد وضع قانون كلي لإبطال تلك الصفات فقال: وأجيب عنه بجواب إجمالي ، وهو كالمقدمة للأجوبة التفصيلية ، وهو أن الشرع إنما ثبت بالعقل . . . فلو أتى الشرع بما يكذبه العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل معا ، إذا تقرر هذا فنقول: كل لفظ يرد في الشرع . . . وهو مخالف للعقل . . . إما أن يتواتر أو ينقل آحادا ، والآحاد إن كان نصا لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطه ، وإن كان ظاهرا فظاهره غير مراد ، وإن كان متواترا فلا يتصور أن يكون نصا لا يحتمل التأويل ، بل لا بد وأن يكون ظاهرا . . .
والقاعدة عندهم: أن كل نص إذا أخبر به الصادق وهو أمر ممكن ولم يكن مخالفا فلا يؤول ، كالبعث والنشر ونعيم الجنة وعذاب النار ، أما إذا كان نصا دالا على أمر محال مخالف للعقل- بزعمهم- فلا بد من تأويله ، كعلو اللَّه تعالى واستوائه على عرشه ، ونزوله في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا .
ويقولون: إن النصوص إذا كانت خلاف العقل ، فإن كانت متواترة فهي وإن كانت قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة ، فالعقل مقدم عليها؛ فلذلك الأدلة النقلية تؤول أو تفوض ، أما الأدلة العقلية ، فلا تأويل لها ، بل تأويلها محال .
فالحاصل أن منهج الماتريدية في نصوص الوحي باطل فاسد؛ لأنه صريح في أن العقل أصل والشرع تابع له .