عرض مشاركة واحدة
قديم 23-07-08, 08:12 AM   رقم المشاركة : 6
معتمد
عضو ينتظر التفعيل





معتمد غير متصل

معتمد is on a distinguished road


ورد على قول المدعو ........



اولا , ما هي اهمية البحث (بالنسبة لنا كمسلمين ) في كيفية وصول القرآن الكريم الينا ؟ دعني اوضح لك اكثر , انا و انت مؤمنون بأن القرآن الذي بين ايدينا كامل و موثق و محفوظ بحفظ الله و ليس فيه ادنى شك (ذلك الكتاب لا ريب فيه) , و البحث و التمحيص في قضية ما لا بد و أن يسبقه شك ما في تلك القضية لانه قد يتبعه تغيير في موقف ما بخصوص تلك القضية , فإذا اردت ان تبحث في موضوع جمع القرآن الكريم من منطق (التاكد من كون القرآن الذي معنا هو كتاب الله) فأنت تناقض ايمانك بالقرآن كونك تعاملت معه و كأنه "كتاب عادي" يمكن ان يتسرب اليه شك !! اما اذا اردت ان تبحث في نفس القضية من باب (العلم بالشيء) فلا بد و أن تكتفي بما سطره الاولون من حقائق حول جمع القرآن الكريم دون الدخول في جدل أو اقحام العقل في المسألة . لأنك إذا اقحمت عقلك في القضية تكون قد اعطيت ايمانك اجازة مفتوحة حتى اشعار آخر , و لهذا لا احبذ الجدل في هذا الموضوع ليس لانني اكرهه أو لا اجيد البحث فيه , بل لانني مؤمن بأن البحث فيه لا طائل من ورائه ! ثم لو كان القرآن مجموعا في مصحف واحد في عهد النبي صلى الله عليه و سلم (كما – اظن – انك تعتقد) فلماذا احتاج المسلمون الى جمع القرآن الكريم في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه ؟


ثانيا , الاحاديث النبوية هي – بلا ادنى شك - (من صلب و صميم الدين ) و ليست "هامشا للتوضيح" – ايا كان معنى ذلك - . للاسباب الآتية :


1- نحن مأمورون في كتاب الله و الى يوم الدين ب"إتباع الرسول صلى الله عليه و سلم و طاعته" , و لو كان الرسول صلى الله عليه و سلم "مجرد مبلغ للقرآن" لأمرنا الله تعالى ب"إتباع الرسالة" لا حاملها . و من غير المعقول ان نتبع الرسول صلى الله عليه و سلم - و قد توفاه الله اليه - دون وثيقة تحتوي على اقواله و ارشاداته للأمة , هذه الوثيقة هي السنة النبوية المطهرة و المتضمنة في صحيح الاحاديث الشريفة (و إلا فماذا سواها ؟). و بما ان الامر الالهي باتباع الرسول صلى الله عليه و سلم (المنصوص عليه في كتاب الله)لا يمكن ان يتحقق الا بوجود تلك الاحاديث , تكون الاحاديث من صميم الدين , لأن ما لا يستقيم الاساس بدونه هو ايضا "جزء من ذلك الاساس" !


2- يقول تعالى في نبيه صلى الله عليه و سلم : (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ . و َمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ .إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ).النجم :2-4 ... فدل هذا على ان كل ما نطق به الرسول صلى الله عليه و سلم (خاصة في امور الدين) هو من وحي الله له و ليس من وحي هواه , لأن قوله "و ما ينطق" يفيد الاطلاق و ليس التقييد و لهذا فلا يعقل حصره في الوحي القرآني فقط , بل يتعداه الى اي توجيه نبوي للمسلمين الى جانب القرآن الكريم .


3- السنة النبوية لا تنقسم و لا تتجزأ , فلا يعقل أن نقول , نأخذ عن النبي صلى الله عليه و سلم امور العبادة و صفة الصلاة و الحج فقط و نترك الباقي ! إذا صليت كما كان هو يصلي فلا يسعك سوى أن تقبل عنه – ايضا - كلامه و اوامره و توجيهاته الاخرى في الدين , لا ان تتعامل مع الدين بطريقة البوفيه المفتوح تختار ما تشاء و تترك ما تشاء , فالذي خوله لأن يعلمك كيف تصلي لربك هو الذي خوله لأن يكون مرشدك و دليلك اليه في سائر امور دينك , و كما ان الصلاة - بصفتها المعروفة - من صميم الدين , فكل السنة ايضا من صميم الدين لان الاثنين (صفة الصلاة و السنة النبوية) من نفس المصدر .


ثالثا , القرآن الكريم و السنة النبوية يتساويان في امر واحد , و هو ان كليهما وحي من الله تعالى . و يتميز القرآن الكريم بخصوصية كونه منزلا من عند الله تعالى بلفظه و كلماته و كل ما يتبع هذه الخصوصية من التعبد بتلاوته و قراءته في الصلاة ..الى آخر الخصائص القرآنية الاخرى! و اذا نظرنا الى المصدرين نظرة عقلية (لا ايمانية) فلن نفرق بينهما في التوثيق , فالقرآن الكريم منزل من عند الله تعالى (من وجهة النظر الايمانية) و لكنه وصلنا عن طريق بشري هو طريق محمد (صلى الله عليه و سلم) و المسلمين من بعده , و هو نفس الطريق الذي وصلت الينا الاحاديث به , فإذا ادعينا ان القرآن الكريم لا يرقى اليه شك فالمنطق العقلي (لا الايماني) يملي علينا ان نعامل الاحاديث بالمثل . لكن و لأن القرآن الكريم (كونه كلام الله الموحى لفظا)هو " الاساس" في منطقنا الايماني , فاصبح هو ايضا (المرجع) أو ال (reference ) الذي من خلاله يتم توثيق الحديث الشريف متنا ً. و لذلك فمن غير المنطقي القول بأن الاحاديث الصحيحة تم "اختيارها" من قبل أئمة الحديث , فالذي اختار ليس هم , بل المنهج الذي نبع من "المنطق الايماني" الذي وضع القرآن الكريم اساسا للدين . و كل ما فعله ائمة الاحاديث هو انهم عرضوا كل ما وصلهم من روايات على ذلك "المنهج الصارم" فاخذوا ما اتفق مع المنهج و تركوا ما لم يتفق معه . و كنت ذكرت لك سابقا ان هناك فرق جذري بين القرآن و السنة في كون القرآن "وحدة واحدة" كونه منزل من عند الله و كوه هو المرجع الاساسي لعقيدتنا كمسلمين , فمن غير المنطقي القول – مثلا – ان السورة الفلانية ليست من القرآن لانها تتناقض – مثلا - مع العقل أو مع الفطرة الانسانية ...الخ , فاتهام آية واحدة من القرآن ( و العياذ بالله ) يلزم اتهام القرآن كله . بينما (حسب منطقنا الايماني) ليس للاحاديث النبوية تلك الخاصية , فهي ليست المرجع الأساسي ( كونها يجب ان تعرض على القرآن (المرجع الاساسي) للتاكد من صحتها من قبل العدول من اهل العلم) , يترتب على هذا الحقائق الآتية :


1- بطلان حديث ما لا يعني بطلان كل الاحاديث , و إلا فما معنى عرض الحديث على القرآن الكريم للحكم بصحته من عدمها اذا كنا نرفض امكانية وجود احاديث غير صحيحة مقدما ؟؟؟؟
2- اكتشاف احاديث غير صحيحة أو تتناقض مع نصوص قرآنية لا يستوجب الطعن في كل السنة النبوية أو التقليل من قدرها (كاعتبارها هامشا توضيحيا و ليست من صميم الدين ) ! على العكس تماما , فهذا يعني صحة المنهج المتبع في تقييم الاحاديث و أنه "منهج عامل" لا "منهج خامل" و الدليل كم الاحاديث المرفوضة بعد عرضها على المنهج , فلا توجد قوة تمنع ايا كان من اختلاق الاحاديث و نسبتها للنبي صلى الله عليه و سلم , العبرة هي في اجتياز الحديث لاختبار المنهج من عدمه.


لفت نظري قولك (ألا يجب أن يكون مصدر الدين قوياً قويماً لا يتسلل إليه الريب ولا يحق لمخلوق أن يلقى ببعضه أدراج الرياح ؟؟)


و ارد عليك و اسالك : (من الذي قرر ان القرآن الكريم مصدر قوي لا يتسلل اليه الريب) ؟
بمعنى آخر , لو اتاك شخص مسلم و قال لك (انا غير مقتنع بالآية الفلانية من القرآن لانها تتناقض – من وجهة نظري- مع حقيقة علمية هي كذا و كذا) , فكيف سترد عليه ؟ انت إما ان ترد عليه بالمنطق الايماني (كونه مسلما و انت مسلم) و تقول له : ( هذا الكلام لا يجوز منك لانه مناقض للايمان ) .. أو ترد عليه بالمنطق العقلي و تحاول اقناعه – بالحوار العقلاني - بأن الآية المذكورة لا تتناقض مع الحقيقة العلمية ! ما اريد ان اوصله اليك هو اننا نعتبر القرآن الكريم مصدرا قويا لا يرقى اليه الشك لأننا ((مؤمنون بأنه كلام الله)) مؤمنون لا مقتنعون , و لو اثبت لنا كل علماء الارض تناقض آية واحدة من القرآن مع حقائق العلم فلن ينقص ذلك من ايماننا به مقدار ذرة , فالمنطق الايماني يوجب علينا حينئذ الاعتقاد بخطأ العلماء لا العكس , لماذا ؟ لأن نفس المنطق الايماني يملي علينا اعتبار القرآن الكريم المرجع الاساسي للعقيدة! و الاحاديث ليست كلام الله كالقرآن الكريم (رغم ان كلاهما وحي منه تعالى) و لهذا فلا يلزم -لكي تكون مصدرا قويا و لا يرقى اليه شك - أن يكون لها نفس خصائص القرآن الكريم من حيث اساسية مرجعيتها , بل اذا صح لدينا حديث ما اصبح (تلقائيا) مصدرا من مصادر الدين !


و اليك هذا المثال التوضيحي : في علم الرياضيات , هناك ما يسمى ب"المسلمات الرياضية" و هي الحقائق الرياضية التي لا تحتاج الى برهان رياضي , و التي على اساسها يتم الحكم ب"صحة" أو "خطأ" النظريات الرياضية . الآن لو افترضنا وجود نظرية رياضية معينة و اثبتنا انها صحيحة طبقا للمسلمات الرياضية المعروفة , فهل من المنطقي ان نقول بعد ذلك (هذه النظرية التي اثبتنا صحتها لا وزن لها و لا قيمة لأنها " ليست في صلابة المسلمات" و لأنها كان يمكن ان تكون خاطئة) ؟؟؟ بالتأكيد لا , و بنفس المنطق – و لله تعالى المثل الاعلى – لا يعقل ان نعتبر الحديث مصدرا ضعيفا لمجرد أنه "ليس قرآنا" و لمجرد أنه – و إن ثبتت صحته – "كان معرضا للرفض" !!


الخلاصة : طالما اجتاز حديث نبوي امتحان المنهج و صح لدينا سندا و متنا , فهو من صميم الدين , و كل توجيه أو امر أو نهي فيه هو ملزم لكل مسلم ! تقبل تحياتي و اعتذر لك و للمحرر الكريم عن طول التعليق .