شبكة الدفاع عن السنة

شبكة الدفاع عن السنة (http://www.dd-sunnah.net/forum/index.php)
-   كتب ووثائق منتدى الحوار العام (http://www.dd-sunnah.net/forum/forumdisplay.php?f=53)
-   -   اترك أثراً قبل الرحيل / للشيخ محمد المنجد (http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=101587)

أبو العلا 19-06-10 11:23 AM

اترك أثراً قبل الرحيل / للشيخ محمد المنجد
 

اترك أثراً قبل الرحيل


لفضيلة الشيخ

محمد صالح المنجد


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~




المقدمة



الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:


فإن من أعظم الأعمال أجراً،
وأكثرها مرضاة لله عز وجل
تلك التي يتعدى نفعها إلى الآخرين،

وذلك لأن نفعها وأجرها وثوابها
لا يقتصر على العامل وحده،
بل يمتد إلى غيره من الناس، حتى الحيوان،
فيكون النفع عاماً للجميع.


ومن أعظم الأعمال الصالحة نفعاً،
تلك التي يأتيك أجرها
وأنت في قبرك وحيداً فريداً،


ولذا يجدر بالمسلم أن يسعى جاهداً
لترك أثر قبل رحيله من هذه الدنيا
ينتفع به الناس من بعده،
وينتفع به هو في قبره وآخرته ،


وصدق الله في قوله:

{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ
هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }

[المزمل:20].


وكن رجلاً إن أتوا بعدَه

يقولون مرَّ وهذا الأثرْ


وقد حرصت على تناول جوانب من هذا الموضوع الهام،

وأسأل الله التوفيق والسداد.



محمد صالح المنجد


أبو العلا 19-06-10 11:37 AM

الفرق بين النفع المتعـدي والنفع القاصر


النفع المتعدي:

هو العمل الذي يصل نفعه للآخرين
سواءً كان هذا النفع أخروياً :
كالتعليم والدعوة إلى الله تعالى،

أو دنيوياً : كقضاء الحوائج، ونصرة المظلوم وغير ذلك.



أما النفع القاصر:

فهو العمل الذي يقتصر نفعه وثوابه
على فاعله فقط، كالصوم، والاعتكاف وغيرهما.



أيهما أفضل النفع المتعـدي أم النفع القاصر؟


نص فقهاء الشريعة على أن النفع المتعدي للغير
أولى من النفع القاصر على النفس.


ولذا قال بعضهم:

إن أفضل العبادات أكثرها نفعاً،

وذلك لكثرة ما ورد في الكتاب والسنة
من نصوص دالة على فضل الاشتغال بمصالح الناس،
والسعي الحثيث لنفعهم وقضاء حوائجهم،

ومن أبرزها ما يلي:


عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«فضل العالم على العابد
كفضل القمر على سائر الكواكب» ([1]).


وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب
رضي الله عنه :

«لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً

خيرٌ لك من حمر النعم» ([2]).


عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال :

«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً»([3]).


كما أن صاحب العبادة القاصرة على النفس

إذا مات انقطع عمله،

أما صاحب النفع المتعدي
فلا ينقطع عمله بموته.



وقد بعث الله الأنبياء بالإحسان إلى الخلق،
وهدايتهم ونفعهم في معاشهم ومعادهم،

ولم يبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس،

ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم
على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع للتعبد
وترك مخالطة الناس ([4]).


وهذا التفضيل إنما هو باعتبار الجنس،

ولا يعني ذلك أن كل عمل متعدي النفع
أفضل من كل عمل قاصر،
بل الصلاة والصيام والحج عبادات قاصرة
– في الأصل –
ومع ذلك هي من أركان الإسلام ومبانيه العظام.


ولذا قال بعض العلماء :

(أفضل العبادات:

العمل على مرضاة الرب في كل وقت

مما هو مقتضي ذلك الوقت ووظيفته) ([5]).



~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

([1]) رواه أبو داود (3641) وهو صحيح الجامع (4212).

([2]) رواه مسلم (34).

([3]) رواه مسلم (2674).

([4]) رواه البخاري (4776)، ومسلم (5).

([5]) انظر مدارج السالكين (1/85-87).

أبو العلا 19-06-10 02:06 PM

نفع الناس من صفات الأنبياء والرسل:


إن النفع المتعدي هو طريق الأنبياء والرسل،
ووظيفة من سلك سبيلهم، واقتفى أثرهم،

فهم أنفع الناس للناس،
وهم الذين يهدون الناس إلى الله تعالى،
ويخرجونهم من الظلمات إلى النور بإذنه،

وذلك بدعوتهم إلى توحيده،
الذي لا عز ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا به.



ونفع الأنبياء للناس لا يشمل أمور الآخرة فقط،
بل كذلك أمور الدنيا:

فيوسف عليه السلام تولى الخزائن لعزيز مصر :


{ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ

إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }

[يوسف:55]،


فكان في ذلك الخير والنفع والنجاة
من سنوات القحط والجدب التي أصابت البلاد.



وموسى عليه السلام لما ورد ماء مدين

وجد عليه جماعة من الناس يسقون،
ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين،
فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.


ونبينا صلى الله عليه وسلم
كانت خديجة رضي الله عنها تقول في وصفه
صلى الله عليه وسلم :

(كلا والله ما يخزيك الله أبدا

إنك لتصل الرحم
وتحمل الكل وتكسب المعدوم
وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)([1]).



وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة والصالحون:

-فأبو بكر الصديق رضي الله عنه

كان يصل الرحم ويساعد المحتاجين،

ولذلك لما أراد قومه أن يخرجوه

قال له ابن الدغنة المشرك :

(إن مثلك لا يخرج ولا يُخرج
فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم
وتحمل الكل وتقري الضيف
وتعين على نوائب الحق)([2]).


-وعمر بن الخطاب رضي الله عنه

كان يتعاهد الأرامل، ويسقي لهن الماء ليلاً.


-وعلى بن الحسين رحمه الله

كان يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في ظلام الليل،

فلما مات فقدوا ذلك،


قال ابن إسحاق :

كان ناس من أهل المدينة يعيشون
ولا يدرون من أين معاشهم
فلما مات علي بن الحسين
فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم في الليل ([3]).


وهكذا الصالحون من هذه الأمة

إذا وجدوا فرصة لنفع الخلق،

فرحوا بها فرحاً شديداً،

وعدوا ذلك من أفضل أيامهم!.



-كان سفيان الثوري رحمه الله

ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه!

ويقول:

(مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي).


- وكان الفضيل بن عياض رحمه الله

يقول:

(نعم السائلون،

يحملون أزوادنا إلى الآخرة،

بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان).



~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

([1]) رواه البخاري (3).

([2]) رواه البخاري (2175).

([3]) سير أعلام النبلاء (4/393).

أبو العلا 19-06-10 08:15 PM

عظم أجر النفع المتعـدي من الكتاب والسنة:



1-

قال تعالى:

{ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }

[العصر:1-3].


قال السعدي رحمه الله:

أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار،

محل أفعال العباد وأعمالهم أن كل إنسان خاسر،

إلا من اتصف بأربع صفات:


- الإيمان بما أمر الله تعالى بالإيمان به.

-العمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها،
الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده،
الواجبة والمستحبة.

- التواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح،

أي : يوصي بعضهم بعضاً بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.

- التواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله،
وعلى أقدار الله المؤلمة.


فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه،

وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره،

وبتكميل الأمور الأربعة،
يكون الإنسان قد سلم من الخسارة،

وفاز بالربح العظيم ([1]).


إذا فنجاة الإنسان من الخسران موقوفة
على سعيه في نفع الآخرين ونصحهم
وتوصيتهم بالحق والصبر.


2-

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم

أن خير الناس أنفعهم للناس


عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«المؤمن يألف ويؤلف،

ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف،

وخير الناس أنفعهم للناس»([2]).


وقال المناوي رحمه الله :

(خير الناس أنفعهم للناس)

بالإحسان إليهم بماله وجاهه فإنهم عباد الله،

وأحبهم إليه أنفعهم للناس

أي : أكثرهم نفعاً للناس بنعمة يسديها،
أو نقمة يدفعها عنهم ديناً أو دنيا،

ومنافع الدين أشرف قدراً وأبقى نفعاً([3])،



قال ابن القيم رحمه الله :

(وقد دل العقل والنفع والفطرة

وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها

على أن التقرب إلى رب العالمين،

والبر والإحسان إلى خلقه،

من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير،

وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر،

فما استجلبت نعم الله، واستدفعت نقمه،

بمثل طاعته والإحسان إلى خلقه)([4]).




~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

([1]) تيسير الكريم الرحمن (934).

([2]) رواه الطبراني في الأوسط (5949)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (426)..

([3]) أنظر فيض القدير (3/481).

([4]) الجواب الكافي (9).

أبو العلا 20-06-10 08:16 PM


3-


عن ابن عمر رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

«أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس،
وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم،

أو تكشف عنه كربة،
أو تقضي عنه دينا،
أو تطرد عنه جوعاً،

ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة
أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد،
يعني مسجد المدينة، شهراً،


ومن كف غضبه ستر الله عورته،
ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه،
ملأ الله عز وجل قلبه أمنا يوم القيامة،

ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى أثبتها له،
أثبت الله عز وجل قدمه على الصراط
يوم تزل فيه الأقدام» ([1]).



قوله صلى الله عليه وسلم :

«ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي
من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهراً»،

لأن الاعتكاف نفعه قاصر على العبد،
أما المشي في حاجة الناس فنفعه متعدٍ للغير،
وهو أنفع للعباد قطعا.



وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

هل يجوز للمعتكف الاتصال بالهاتف
لقضاء حوائج المسلمين؟


قال :


نعم يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف
لقضاء بعض حوائج المسلمين،

إذا كان الهاتف في المسجد الذي هو معتكف فيه
لأنه لم يخرج من المسجد،

أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج لذلك،

وقضاء حوائج المسلمين إذا كان هذا الرجل معنياً بها
فلا يعتكف،

لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف،
لأن نفعها متعد،

والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر،

إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجباته ([2]).


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

([1]) رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (36)، وحسنه الألباني في الترغيب (2623).

([2]) مجموع فتاوي ابن عثيمين (20/126).



أبو العلا 20-06-10 08:25 PM


4-

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :

«لا يغرس المسلم غرساً
فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير
إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة» ([1]).


وفي لفظ له:

«ما من مسلم يغرس غرساً
إلا كان ما أكل منه له صدقة،
وما سرق منه له صدقه،

وما أكل السبع منه فهو له صدقة،
وما أكلت الطير فهو له صدقة،
ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقه» ([2]).



عن أبي الدرداء رضي الله عنه
أن رجلا مر به وهو يغرس غرساً بدمشق،

فقال له :

أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !

فقال : لا تعجل علي،

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

«من غرس غرساً لم يأكل منه آدمي

ولا خلق من خلق الله عز وجل إلا كان له صدقة»([3]).




قال النووي رحمه الله:

(في هذه الأحاديث فضيلة الغرس، وفضيلة الزرع،

وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغرس والزرع،

وما تولد منه إلى يوم القيامة.


وفي هذه الأحاديث أيضا

أن الإنسان يثاب على ما سرق من ماله
أو أتلفته دابة أو طائر ونحوهما.

وقوله صلى الله عليه وسلم :

«ولا يرزؤه» أي ينقصه ويأخذ منه)([4]).



ولذلك ذهب بعض العلماء (وصححه النووي رحمه الله)

إلى تفضيل العمل بالزراعة

على العمل بالصناعة والتجارة

وذلك لعموم نفع الزراعة،

حتى أنها تشمل نفع الناس

والدواب والطيور والحشرات ([5]).


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

([1]) رواه مسلم (1553).

([2]) رواه مسلم (1552).

([3]) رواه أ؛مد (27546) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2600).

([4]) شرح النووي على مسلم (5/396).

([5]) شرح النووي على مسلم (5/396).

أبو العلا 20-06-10 08:44 PM


5-

كل معروف يبذله الإنسان للناس فهو صدقة:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

«كل معروف صدقة»([1]).


عن أبي ذر رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس
صدقة منه على نفسه،

قلت : يا رسول الله من أين أتصدق وليس لنا أموال؟

قال:

إن من أبواب الصدقة التكبير وسبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله وأستغفر الله،
وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر،
وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر،
وتهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه،

وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها،
وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث،
وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف

كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك،
ولك في جماعك زوجتك أجر،

قال أبو ذر :

كيف يكون لي أجر في شهوتي؟


فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره
فمات أكنت تحسب به؟

قلت : نعم.

قال : فأنت خلقته؟

قال : بل الله خلقه،

قال فأنت هديته ؟

قال : بل الله هداه،

قال: أنت ترزقه؟

قال : بل الله كان يرزقه،

قال: كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه

فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر»([2]).


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«كل سلامى من الناس عليه صدقة،
كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة،

ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها
أو يرفع عليها متاعه صدقه،

والكلمة الطيبة صدقة،

وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة،

ويميط الأذى عن الطريق صدقة»([3]).



~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

([1]) رواه البخاري (5675).

([2]) رواه ابن حبان (3377) وأحمد (21522)، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (575).

([3]) رواه البخاري (2827).

أبو العلا 20-06-10 09:00 PM

6-


والسعي فيما ينفع الناس

من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار:


- عن أبي ذر رضي الله عنه قال :

سألت النبي صلى الله عليه وسلم

أي العمل أفضل؟

قال :

«إيمان بالله وجهاد في سبيله،


قلت : فأي الرقاب أفضل ؟

قال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها،


قلت : فإن لم أفعل ؟

قال : تعين صانعاً أو تصنع لأخرق،


قال : فإن لم أفعل ؟

قال : تدع الناس من الشر
فإنها صدقة تصدق بها على نفسك»([1]).



- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال :

قلت : يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار؟

قال: «الإيمان بالله».


قلت : يا رسول الله إن مع الإيمان عملاً.

قال : «يرضخ مما رزقه الله»
[الرضخ: هو العطاء].


قلت : يا رسول الله أرأيت إن كان فقيراً
لا يجد ما يرضخ به؟

قال : «يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر»


قلت: يا رسول الله،
أرأيت إن كان عييَّاً لا يستطيع أن يأمر بالمعروف
ولا ينهى عن المنكر؟

قال : «يصنع لأخرق».
[وهو الجاهل الذي لا صنعة له يكتسب منها].


قلت : أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئاً؟


قال : «يعين مظلوماً».

قلت : أرأيت إن كان ضعيفاً
لا يستطيع أن يعين مظلوماً؟


قال : «ما تريد أن تترك في صاحبك من خير،
يمسك الأذى عن الناس».


فقلت : يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة ؟


قال :

«ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء،
إلا أخذت بيده حتى تدخل الجنة» ([2]).


- عن عمر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل :

أي الأعمال أفضل ؟

قال :

«إدخالك السرور على مؤمن،

أشبعت جوعته،

أو كسوت عُرِيَهُ،

أو قضيت له حاجة» ([3]).


وأمر النبي صلى الله عليه وسلم

من استطاع أن ينفع أخاه المسلم
بأي وجه من وجوه النفع فلينفعه،

فقال :

«من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل» ([4]).


وأوجه النفع كثيرة جدا،

وكلما كان العمل أنفع للعباد

كان أفضل عند الله تعالى،

لذلك ينبغي على المؤمن أن يحرص على الأعمال
التي يعم نفعها ويكثر.


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

([1]) رواه البخاري (2382).

([2]) رواه الطبراني في الأوسط (5081) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (876).

([3]) رواه الطبراني في الأوسط (5081)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2621).

([4]) رواه مسلم (2199).


أبو العلا 22-06-10 02:01 AM


نماذج للأعمال المتعـدية النفع


الدعوة إلى الله:


إن الدعوة إلى الله من أعظم الأعمال نفعاً للآخرين،
فليس هناك نفع متعد كالدعوة إلى توحيد الله،
وحمل هم الدين وتبليغه،

ولذلك منح الله هذه الوظيفة لأفضل الخلق من بني آدم،
وهم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم،
وكذلك من سار على دربهم.


قال تعالى:

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33].


قال ابن كثير رحمه الله :

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا } :

أي دعا عباد الله إليه.

{ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } :

أي هو في نفسه مهتد بما يقوله،
فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد،

وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتون،
وينهون عن المنكر ويأتونه،
بل يأتمر بالخير، ويترك الشر،

ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى،
وهذه عامة في كل من دعا إلى خير
وهو في نفسه مهتد ([1]).


فأهل الدعوة إلى الله لم يرضوا لأنفسهم
أن يروا الغرقى فلا ينقذوهم،

ولا فقدوا إنسانيتهم
فتركوا الحيارى يحيدون عن الطريق بلا إرشاد،
ولم يدفنوا العلم ولا أوقفوه على أنفسهم،

بل ألقوا دثر الراحة ونفضوا غبار الكسل عن أنفسهم،
وانطلقوا في خضم الحياة حاملين النور للآخرين،

فعلموا الجاهل، ونبهوا الغافل،
وهدوا الضال بإذن الله وتوفيقه.


فأفضل النفع للآخرين
إخراجهم من ظلمات الكفر والبدع والمعاصي
إلى نور التوحيد والسنة والطاعة.


قال الله تعالى:

{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ
وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا
كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

[الإنعام:122].


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

([1]) تفسير ابن كثير (7/179).

أبو العلا 22-06-10 08:35 PM


تعليم الناس العلم النافع:


ومن المجالات العظيمة للنفع المتعدي تعليم الناس الخير،
وتعريفهم بالحلال والحرام،

ولذلك وردت أدلة كثيرة في فضل تعليم الناس:


عن معاذ بن أنس رضي الله عنه

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

«من علَّمَ علماً فله أجر من عمل به
لا ينقص من أجر العامل»([1]).


عن عثمان رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

«خيركم من تعلم القرآن وعلمه»([2]).



قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح :

«خيركم من تعلم القرآن وعلمه»

ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه
مكمل لنفسه ولغيره،
جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل،
وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله:

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }
[ فصلت:33]،


والدعوة إلى الله تقع بأمور شتى منها
تعليم القرآن وهو أشرفها ([3]).



عن أبي موسى رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

«مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم،
كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا،
فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير،
وكانت منها أجادب أمسكت الماء،
فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا،
وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء،
ولا تنبت كلأ،
فذلك مثل من فقه في دين الله
ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم،
ومثل من لم يرفع بذلك رأسا،
ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» ([4]).


وقد ألهم الله تعالى أنواع الحيوان الاستغفار للعالم:


فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين
حتى النملة في جحرها،
وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير» ([5]).



وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

«من سلك طريقاً يبتغي فيه علما
سلك الله به طريقاً إلى الجنة،
وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم،

وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض
حتى الحيتان في الماء،

وفضل العالم على العابد
كفضل القمر على سائر الكواكب،
وإن العلماء ورثة الأنبياء،
وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً
إنما ورثوا العلم،
فمن أخذ به أخذ بحظ وافرٍ»([6]).


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
([1]) رواه ابن ماجه (240) وحسنة الألباني في الترغيب والترهيب(80).

([2]) رواه البخاري (4739).

([3]) فتح الباري (9/76).

([4]) رواه البخاري (79).

([5]) رواه الترمذي (2685) وحسنة الألباني في الترغيب (81).

([6]) رواه الترمذي (2682) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (70).


الساعة الآن 07:58 PM.

Powered by vBulletin® , Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
" ما ينشر في المنتديات يعبر عن رأي كاتبه "